إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 29 نوفمبر 2012

منظومة الاستبداد

وهى تتضمن صفات المستبد (بكسر الباء) والمستبد (بفتح الباء) بهم (المستعبدين)وطبيعة العلاقة بينهما, والبيئة التى يعيشون فيها. 1- التأله (العلو والكبر): يشعر المستبد بعلوه على من حوله من البشر وملكيته لهم, وبالتالي يطلب منهم الطاعة والانقياد, ولا يسمح لهم بمخالفته أو مناقشته, ويتقمص صفات القاهر الجبار. وهكذا شيئاً فشيئاً تتضخم ذاته خاصة مع خضوع من حوله, ويصل فى النهاية إلى الاعتقاد بألوهيته, وهذا هو نهاية متصل الاستبداد والذي وصل إليه فرعون حين قال: {أنا ربكم الأعلى} [النازعات:24], وقال:{ يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري} [القصص:38 ]. 2- الاستخفاف: وفى داخل نفس المستبد استخفاف واحتقار لمن يستبد بهم, ويزيد هذا الشعور بداخله كلما بالغوا هم فى طاعته ونفاقه والتزلف إليه لأنه يعلم بداخله كذبهم وخداعهم, ويعلم زيف مشاعرهم, ويشك في ولائهم وإخلاصهم, كما أنه من البداية يشك فى قدراتهم وملكاتهم وجدارتهم, وبالتالي يصل في النهاية إلى الشعور بالاستخفاف بهم. وكلمة الاستخفاف التى وردت فى القرآن الكريم{ فاستخف قومه فأطاعوه} [القصص4] تحمل في طياتها معاني الاحتقار والاستهزاء والإذلال والاستغلال. 3- الجبروت والعناد: فالمستبد جبار متجبر عنيد وهى صفات متصلة ببعضها لأن جذورها فى النفس واحدة, فالمعنى اللغوي للجبّار"هو الذي يقتل على الغضب" وتجبَّر الرجل بمعنى تكبر (مختار الصحاح لمحمد بن أبى بكر الرازي المتوفى سنة 666 هجرية –دار الجيل– بيروت– لبنان ص91,90 طبعة عام 1407هـ 1987م). فمنظومة الاستبداد تبدأ بالتكبر والاستعلاء الذى يصل إلى درجة التأله, ومن هنا كان بغض الله للمستبد وسخطه عليه لأنه ينازعه صفة الجبار وينازعه الألوهية بصفة عامة, وينازعه نفاذ الأمر الذى لا يبدل ولا يغيَّر, ولهذا توعده العذاب الشديد, فعن أبى موسى رضى الله عنه أن رسول الله صلي الله علية وسلم قال: «إن في جهنم وادياً, وفى الوادي بئر يقال له هبهب, حق على الله أن يسكنه كل جبار عنيد» ( راوه الطبرانى بإسناد حسن كما قال المنذرى فى الترغيب, والهيثمى في: المجمع 5/197 والحاكم وصححه ووافقه الذهبى 4/332 ). وعن معاوية رضي الله عنه أن النبى صلي الله علية وسلم قال: «ستكون أئمة من بعدى يقولون فلا يرد عليهم قولهم, يتفاحمون في النار كما تفاحم القردة» [رواه أبو يعلى والطبرانى, وذكره في صحيح الجامع الصغير برقم 3615 ]. وواضح من طريقة العذاب عظم الجرم الذى يقع فيه كل طاغية ومستبد ودكتاتور فى أى موقع وعلى أى مستوى. والمتكبر لا يحتمل اختلافاً فى الرأي, بل لا يسمح من البداية أن يكون هناك رأياً آخر يزاحمه لأن هذا الرأي الآخر يعتبر قدحاً في تألهه وجبروته فهو يفترض أنه على صواب دائماً وأن ما يراه هو الحق المطلق, وبالتالي فهو يعتبر أن صاحب الرأي الآخر سفيهاً أو مضللاً ومتعدياً على مقامه الأرفع ومن هنا يكون غضبه شديداً يصل إلى درجة قتل المخالف مروراً بتعنيفه أو سجنه أو تعذبيه أو نفيه. والمتكبر دائماً وأبداً عنيد لأنه يفترض أنه يمتلك الحقيقة المطلقة وبالتالي لا يقتنع برأي آخر ولا يريد أصلاً ولا يقبل أن يكون هناك رأى آخر. 4- الفسق : ومع استمرار السلوك الاستبدادي يتحول الناس (المستبد بهم) إلى كائنات مشوهه وذلك من كثرة الأقنعة التي يلبسونها لإرضاء المستبد فيتفشى فيهم النفاق والخداع والكذب والالتواء والخوف والجبن وتكون النهاية كائنات مشوهه خارجة عن الإطار السليم للإنسان الذي كرمه الله, والقرآن الكريم يصفهم بالفسق, والفسق هنا كلمة جامعة لكل المعاني السلبية التي يكتسبها الخاضعون للمستبد  فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين  [الزخرف 54]. 5- الفساد: وحين تجتمع الصفات السلبية للمستبد مع الصفات السليبة للمستبد بهم تكون النتيجة بيئة مليئة بالفساد "وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد" [الفجر10-12] فالفساد نتيجة طبيعية ومباشرة للاستبداد مهما كانت مبررات الاستبداد ومهما كانت اللافتات التي يتخفى وراءها لأن الاستبداد تشويه للتركيبة النفسية للمستبد وتشويه أيضاً للتركيبة النفسية للمستبد بهم وبالتالي يحدث تشويه للبيئة التي يعيشون فيها, وكأن الاستبداد أحد أهم عوامل التلوث الأخلاقي والبيئي في الحياة. 6- الضلال: ونظراً لمحدودية رؤية المستبد وتشوه تركيبته النفسية منذ البداية ثم زيادة هذا التشوه نتيجة تضخم ذاته بالمدح والثناء من المستعبدين (بفتح الباء), ورفضه للاسترشاد برؤى الآخرين, وإصراره العنيد على إنفاذ أمره وحده فإن النتيجة هى قرارات خاطئة فى كل المجالات «فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد». 7- الهلاك:- والنتيجة المنطقية لتشوه المستبد وتشوه المستبد بهم, وفساد البيئة التى يعيشون فيها معا هي الهلاك المحقق, فما من مستبد إلا ووصل بجماعته إلى الهاوية فضاع وضاعوا معه «فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعو ن برشيد0 يقدم قومه يوم القيامة فأوردوهم النار وبئس الورد المورود» (هود 97/98).« فأخذناه وجنوده فنبذناهم فى اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين» (القصص 40). والهلاك ليس فقط فى الآخرة وإنما يسبقه هلاك فى الدنيا, وهلاك منظومة الاستبداد ليس قائماً فقط على اعتبارات أخلاقية أو دينية وإنما هو سنة كونية وقانون حياتي لأن الاستبداد يسير ضد تيار الحياة الإنسانية وهو تشويه للفطرة (للمستبد والمستبد بهم) ولذلك فلا يمكن أن يستمر طالما قُدِّر للحياة أن تستمر وتنمو وتتطور, فالمستبد مثل أى ميكروب أو فيروس يدخل الخلية ويوجه نشاطاتها لخدمته وفى حالة عجز الخلية عن اكتشافه ومقاومته بجهاز المناعة لديها فإن المآل الحتمي هو ضد قانون تطور الحياة ونموها. والأمثلة التاريخية لهلاك منظومات الاستبداد ليس لها حصر, ففرعون قد هلك غرقاً هو وجنوده, ونيرون أحرق كل شيء وأحترق معه, وشاه إيران ضاع وضاع ملكه ولم يجد فى نهاية حياته مأوى يؤيه وظل حائراً بطائرته في الجو وقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت, وشاوشيسكو انقض عليه شعبه سخطاً وغضباً وألقاه فى مزبلة التاريخ, وقبلهم هتلر تسبب فى قتل 45 مليوناً من البشر ثم مات منتحراً أو مقتولاً تلاحقه اللعنات فى كل مكان, وصدام حسين أضاع ثروات العراق وأسلمها لاحتلال أمريكي بغيض لا يعرف أحد متى يرحل.

ليست هناك تعليقات: