إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 29 نوفمبر 2012

سيكولوجية الاستبداد

0 الاستبداد وعلاقته بنمط الشخصية: هل توجد أنماط شخصية معين تميل إلى السلوك الإستبدادى؟ نعم, فدراسة حياة مشاهير المستبدين على المستويات المختلفة تؤكد وجود أنماط شخصية معينة تميل إلى السلوك الإستبدادى خاصة إذا واتتها الظروف, ومن هنا تصبح معرفة هذه الأنماط مهمة للوقاية من السلوك الإستبدادى ومن المستبدين. ونذكر من هذه الأنماط الشخصية ما يلي:- 1- الشخصية النرجسية(Narcissistic Personality): صاحب هذه الشخصية لديه شعور خاص بالأهمية وبالعظمة ويبالغ فى قيمة مواهبه وقدراته وإنجازاته ويتوقع من الآخرين تقديراً غير عادى لشخصه وملكاته وإنجازاته المبهرة فى نظره وهو يعتقد أنه متفرد في تكوينه وفى أفكاره ويحتاج لمستويات عليا من البشر كي تفهمه وتقدره, ويحتاج للثناء والمدح الدائم والتغني بجماله وكماله وأفكاره وبطولاته الأسطورية وتوجيهاته التاريخية ومواقفه العظيمة غير المسبوقة وهو لا يشعر بالتعاطف مع الآخرين ولا يتفهم احتياجاتهم بل يريدهم فقط أدوات لتحقيق أهدافه وإسعاده وبلوغ مجده وهو أناني شديد الذاتية ويسعى طول حياته ليضخم هذه الذات التي يعتبرها محور الكون, وربما ينجح فى الوصول إلى مراكز عليا فى الحياة بسبب إخلاصه الشديد فى تحقيق ذاته ورغبته فى التميز والاستعلاء على الآخرين. 2- الشخصية البارانوية (الزورانية Paranoid Personality): تدور هذه الشخصية حول محور الشك وسوء الظن, فصاحبها لا يثق بأحد ويتوقع الإيذاء من كل الناس ولا يأخذ أى كلمة أو فعل على محمل البراءة بل يحاول أن يجد فى كل كلمة أو فعل سخرية منه أو انتقاصا من قدره أو محاولة لإيذائه, ولهذا نجده دائم الحذر من الآخرين, لا يهدأ ولا ينام, ويكافح طول عمره ليقوى ذاته ويحمى نفسه من الآخرين «الأعداء دائماً وأبداً», وهذا الشك والحذر وعدم الولاء للناس يدفعه للعمل الجاد والشاق لكي يصل إلى المراكز العليا فى مجال تخصصه, وهو حين يحقق ذلك يمارس السيطرة والتحكم فى الناس الذين يحمل لهم بداخله ذكريات أليمه من السخرية والاحتقار والإيذاء وبما أنه لا يسامح أبداً ولا ينسى الإساءة لذلك فهو يمارس عدوانه على من تحت يده انتقاماً وإذلالاً, ويحقر كل من دونه كراهية ورفضاً. 3- الشخصية الوسواسية (القسرية Anankastic Personality): والشخص الوسواسى يميل إلى الدقة والنظام والصرامة والانضباط ولا يحتمل وجود أى خطأ, وهو فوق ذلك عنيد ومثابر إلى أقصى حد, ولهذا يميل إلى أن يتأكد من كل شيء بنفسه ولا يثق فى أحد لأنه يعتبر الآخرين عشوائيين وغير منضبطين وأنهم سوف يفسدون الأمور التى توكل إليهم, لذلك نراه إن كان والداً أو مسئولاً يريد أن يستحوذ على كل شيء في يده ويتابع كل شيء بنفسه ولا يترك لأحد فرصة للتعبير عن نفسه أو تحمل مسئولياته, فالآخرون في نظره غير جادين وغير دقيقين وغير صارمين مثله وهم يحتاجون دائماً للوصاية والتوجيه والتحكم, فهم في نظره أطفال عابثون يحتاجون فى النهاية لمن يضبطهم ويوجههم وإلا فسدت كل الأمور. 4- الشخصية السادية (Sadistic Personality): وهو الشخص الذى يستمتع بقهر الآخرين وإذلالهم والتحكم فيهم وكلما شاهد الألم فى عيونهم استراح وانتشى وواصل تعذيبهم وقهرهم ليحصل على المزيد من الراحة والنشوة . 5- الشخصية المعادية للمجتمع(Dissocial Personality): وهو نوع من الشخصية لا يحترم القوانين والنظم والشرائع, بل يجد متعه فى الخروج عليها, ولا يشعر بالذنب تجاه شيء أو تجاه أحد, ولا يتعلم من تجارب فشله, ويعيش على ابتزاز الآخرين واستغلالهم مستغلاً سحر حديثه وقدرته على الكذب والمناورة والخداع, وهو شخص لا يفكر إلا فى نفسه وملذاته, والآخرين ليسوا إلا أدوات يستخدمها لتحقيق ملذاته. وبعد استعراض هذه النماذج الشخصية الأكثر ميلاً للاستبداد نود أن ننوه أن المستبد يمكن أن يكون أحد هذه الأنماط ويمكن أن يكون خليطاً منها بعضها أو كلها. أما المستبد بهم (المقهورون) فيمكن أن يكونوا أناساً ذوى سمات متباينة ولكن يغلب أن يكون لديهم سماتاً ماسوشيه بمعنى أن لديهم ميل لأن يتحكم فيهم أحد وأن يخضعوا له ويسلموا له إرادتهم ويستشعروا الراحة وربما المتعة في إيذائه لهم وإذلاله إياهم, فلديهم مشاعر دفينة بالذنب لا يخففها إلا قهر المستبد وإذلاله لهم على الرغم مما يعلنون من رفضهم لاستبداده. وهؤلاء المستعبدين ربما يكون لديهم معتقدات دينية أو ثقافية تدعوهم إلى كبت دوافع العنف وتقرن بين العنف والظلم وتعلى من قيمة المظلوم وتدعو إلى التسامح مع الظالم والصبر عليه وترى فى ذلك تطهيراً لنفس المظلوم من آثامه. والشخصيات المستعبدة لديها شعور بالخوف وشعور بالوحدة لذلك يلجأون إلى صنع مستبد ليحتموا به ويسيروا خلفه ويعتبرونه أباً لهم يسلمون له قيادتهم وإرادتهم ويتخلصون من أية مسئولية تناط بهم فالمستبد قادر على فعل كل شيء فى نظرهم, وفى مقابل ذلك يتحملون تحكمه وقهره وإذلاله ويستمتعون بذلك أحياناً. إذن فالمستبد ليس وحده المسئول عن نشأة منظومة الاستبداد ولكن المستعبدين (المستبد بهم) أيضاً يشاركون بوعي وبغير وعى فى هذا على الرغم من رفضهم الظاهري للاستبداد وصراخهم منه أحياناً، ولا تزول ظاهرة الاستبداد عملياً فى الواقع إلا حين تزول نفسياً من نفوس المستعبدين حين ينضجوا ويتحرروا نفسياً ويرغبون فى استرداد وعيهم وكرامتهم وإرادتهم التى سلموها طوعاً أو كرهاً للمستبد, حينئذ فقط تضعف منظومة الاستبداد حتى تنطفئ, وليس هناك طريق غير هذا إذ لا يعقل أن يتخلى المستبد طواعية عن مكاسبه من الاستبداد خاصة وأن نمط شخصيته يدفعه دفعاً قوياً للمحافظة على تلك المكاسب الهائلة. وإذا رأينا المستعبدين (المستبد بهم) ينتظرون منحهم الحرية من المستبد فهذه علامة سذاجة وعدم نضج منهم توحي ببعدهم عن بلوغ مرادهم وتؤكد احتياجهم لمزيد من الوقت والوعى ليكونوا جديرين بالحرية, فقد أثبتت خبرات التاريخ أن الحرية لا تمنح وإنما تسترد وتكتسب. 0 المستبد ودافعي التملك والخلود: إن دافعي التملك والخلود ليسا قاصرين على المستبد وحده فهما دافعين أساسين فى النفس البشرية وقد عرفهما إبليس وحاول اللعب عليهما عندما أراد أن يغوى آدم فقال له مغرياً إياه بالأكل من الشجرة المحرمة (قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى) (طه:120). وقال(ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) [الأعراف: 20]. وفعلاً نجح الإغواء لآدم على الرغم من التحذير الإلهي له ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين [البقرة:35] وعلى الرغم من إتاحة فرص التنعم المتعددة فى الجنة, وهذا يدل على قوة هذين الدافعين وعمقهما في النفس البشرية, وعلى أنهما نقطتي ضعف يسهل الإغواء عن طريقهما. ويبدو أن هذين الدافعين يكونان متخضمين فى نفس المستبد فهو لا يشبع من التملك وهو يسعى إلى الخلود وينكر فى أعماقه فكرة الموت. وكلما اتسعت دائرة نفوذه وكلما انتشرت صوره وتماثيله في كل مكان كلما انزلق إلى الإعتقاد بفكرة خلوده, ولو أصابه المرض أو أدركته الشيوخة وأيقن بفكرة موته فإنه يتسمك بملكه ويتعلق بخلوده من خلال أبنائه فيحرص على توريثهم كل ما استطاع أن يتملكه فهم امتداد لذاته, وهذه هى سيكولوجية الأنظمة التي تقوم على فكرة التوريث حفاظاً على بقاء المُلْك وخلود الذِكْر. ومن سنن الكون التى قدرها الله أن كل من يتعلق بالملك أو الخلود يزول منه لأن الملك لله وحده والخلود له وحده, وحين سعى آدم نحو الملك الذى لايبلى والخلود, ابتلاه الله بالحرمان من الجنة بل والحرمان مما يستره من ملابس (فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما) [الأعراف:22], هكذا يحدث مع كل مستبد تخدعه ذاته أو يخدعه إبليس بفكرة الخلود أو الملك الذى لا يبلى, حيث يبتلى بضياع الملك ويبتلى بالطرد من الجنة التى عاش فيها وظن أنه خالد فيها. 0 مستويات الاستبداد: تبدأ بذرة الاستبداد داخل النفس ثم تنبت وتتمدد شجرته الخبيثة لتمد فروعها داخل الأسرة ثم داخل المدرسة ثم داخل المؤسسات ثم داخل المجتمع ثم داخل النظام السياسي حتى يصل إلى المستوى الدولي. وفيما يلي إيضاح لهذه المستويات: 1- الاستبداد النفسى:- ربما يكون هذا المفهوم غريباً بعض الشيء, ولكنه في الحقيقة هو جذر شجرة الاستبداد, وهو النموذج الأولى للاستبداد (Prototype) ولكي نفهم الاستبداد النفسى لابد أن نعلم بأن النفس البشرية رغم وحدتها الظاهرة إلا أنها تتكون من كيانات مختلفة تختلف أسماؤها باختلاف النظريات النفسية, ففي النظرية التحليلية لفرويد نجد الهو والأنا والأنا الأعلى, وفى نظرية التحليل التفاعلاتى لإريك برن نجد ذات الطفل وذات الناضج وذات الوالد, وفى علم النفس التحليلي نجد الأنيميا والأنيموس ونجد القناع والظل, وفى نظرية كارين هورنى نجد الذات المثالية والذات الاجتماعية والذات الحقيقية. وتبدأ فكرة الاستبداد داخل النفس حين يتضخم أحد الكيانات أو أحد الذوات داخل النفس على حساب الكيانات أو الذوات الأخرى وهنا يختل التوازن النفسى ويتوحش هذا الجزء المتضخم فى حين تضمر وتنسحب الأجزاء الأخرى منتظرة اللحظة المناسبة للانقضاض على الجزء المستبد, وفى كل هذه الحالات تمرض النفس أو تتشوه أو تهلك. 2- الاستبداد الأسرى:- ففى الأسرة تتأكد مفاهيم الحرية أو تنتفي, فهي المحضن الأول والأساس لقيم الحرية والمساواة والعدل وغيرها من القيم, فإذا مارس الأب أو مارست الأم الاستبداد كان ذلك بمثابة نموذج أوّلى للاستبداد يحمله الطفل معه ويتحرك بموجبه فى كل المواقع التى يذهب إليها, فهو يتصنع الخضوع والاستسلام ويسلم إرادته لوالده المستبد, ثم حين تواتيه الفرصة(حين يكبر هو أو يضعف أبوه) ينقض عليه منتقماً ومتشفياً. 3- الاستبداد المدرسي:- ويمارسه ناظر المدرسة على مدرسيه ثم يمارسه المدرسون على الطلاب ثم يمارسه الطلاب الأقوياء على الطلاب الضعفاء، وبما أن المدرسة داراً أساسية للتربية فهي تنمى ذلك السلوك وتدعمه بل وتعطيه شرعيه تربوية وأخلاقية. 4- الاستبداد المؤسسي:- وهو امتداد طبيعي للاستبداد الأسرى والاستبداد المدرسي حيث تقوم كل المؤسسات على فكرة شخص واحد كبير يعرف كل شييء ويتصرف وحده فى كل شئ, وقطيع من المرؤوسين يسمعون ويطيعون. والعلاقة هنا بين الرئيس والمرؤس تقوم على الخوف والعداوة المستترة تحت غطاء من النفاق والخداع. 5- الاستبداد الدينى:- فعلى الرغم أن الدين الصحيح يؤكد مفهوم الحرية(حتى فى الاعتقاد الدينى نفسه) ويؤكد مفهوم المساواة ويؤكد مفهوم الشورى إلا أن بعض الأفراد أو بعض المؤسسات ربما تستغل بعض المفاهيم الدينية أو شبه الدينية لتمارس تسلطها على الناس بحجة أنها تتحدث باسم الإله وبأمره وأنها تملك الحقيقة المطلقة التى لا يصح معها حوار أو نقاش, وربما يكون هذا هو أخطر أنواع الاستبداد لأنه يذل أعناق البشر باسم الدين وتحت رايته. وهذا النموذج نراه واضحاً فى زوج يقهر زوجته محتجاً بنصوص مأخوذة بغير معناها وخارج سياقها, أو أب يستبد بأبنائه ويلغى إرادتهم شاهراً آيات الطاعة فى وجوههم, أو رجل دين يمنح صكوك الغفران لمن يرضى عنه ويلقى بسخطه وغضبه على من يخالفه, أو حاكم يتستر تحت مفاهيم دينية ليخفى طغيانه. ومن علامات الاستبداد الديني تآكل منطقة المباح, تلك المنطقة في السلوك البشرى التي سكت الله عنها لا نسيانا ولا إهمالا وإنما ليعطى فسحة للعقل البشرى أن يتصرف بحرية في أشياء لا تقع في منطقة الحلال أو منطقة الحرام. ومنطقة المباح هذه هي التي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم "أنتم أعلم بأمور دنياكم", وهى منطقة أرادها الله أن تكون واسعة وأن يحررها من قيود الحلال والحرام لكي يعطى العقل البشرى فسحة للعمل والإبداع دون حرج. وفى مجتمعات الاستبداد الديني تعلو أصوات رجال الدين معلنة تحكمهم في كل صغيرة وكبيرة في حياة الناس تحت زعم أن الدين لم يترك شيئا إلا ووضع له حكما, ونسوا أو تناسوا أن حكم منطقة المباح أن تكون حرة, وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يكره كثرة السؤال حتى لا يقع الناس في فخ التشديد والإلزام في أشياء لا تستدعى ذلك. وهذه المجتمعات التي تتآكل فيها منطقة المباح ويصبح الناس أسرى لآراء رجال الدين في كل صغيرة وكبيرة يقعون في فخ "الكهنوت" وهو مقدمة الاستبداد الديني. 6- الاستبداد الاجتماعى (الطبقى):- بمعنى أن تستبد طبقة ما بمقاليد الأمور مثل طبقة النبلاء أو الإقطاعيين أو طبقة رجال الأعمال أو طبقة البروليتاريا, في حين تستبعد باقي الطبقات وتعيش مقهورة ذليلة ولا تملك إلا الإنتظار المؤلم الحقود للحظة تتمرد فيها وتنقض على الطبقة المسيطرة وإذا انتصرت هذه الطبقة الجديدة المنقضة أو الثائرة أو المتمردة فإنها تستبد هى الأخرى بالأمور وتلغى أو تستبعد أو تستعبد الطبقات الأخرى وتبدأ دورة جديدة من دورات الاستبداد تنهك قوى المجتمع وتفقده أفضل ملكاته وإمكاناته. 7- الاستبداد السياسي:- وهو أكثر مستويات الاستبداد شهرة لدرجة أنه حين تذكر كلمة الاستبداد يخطر فى الذهن مباشرة هذا النوع من الاستبداد دون غيره, ربما لأنه الأكثر وضوحاً أو الأكثر شيوعاً أو الأوسع تأثيراً. وهذا الوضوح وهذه الشهرة للاستبداد السياسي يجعلنا في غنى عن الحديث عنه بالتفصيل فقد أصبح من البديهيات ولكننا فى فقط ننوه إلى جذوره التى جاءت من نفس مستبدة وأب مستبد وناظر مستبد ومدير مستبد ووزير مستبد ورجل دين مستبد, فالاستبداد السياسي ثمرة مرة لثقافة استبدادية على مستويات متعددة وهو لا يزول بمجرد ثورة أو انقلاب ولكنه يزول حين تسرى ثقافة الحرية والمساواة والعدل فى كل أو أغلب المستويات سابقة الذكر. وسريان ثقافة الحرية وحده لا يكفى بل لابد من أن يكافح معتنقوا الحرية من أجل ترسيخ آليات لممارسة الحرية مثل الشورى أو الديموقراطية أو أى آلية أخرى تكون ضماناً لاستمرار الحرية وحاجزاً أمام كل مستبد طامع يحاول الانقضاض فى أى لحظة على هذه القيم تحت أى لافتة مهما كانت براقة. 8- الاستبداد الدولي:- وقد أصبح هذا الاستبداد واضحاً منذ ظهور عالم القطب الواحد حيث تتحكم الإمبراطورية الأمريكية الآن –منفردة– في مقاليد الأمور, حتى الهيئات والمنظمات الدولية التى نشأت للمحافظة على الشرعية الدولية قد أطيح بها وأصبحت أداة فى يد الدكتاتورية الأمريكية المستبدة. وتقوم بريطانيا بدور هامان للفرعون الأمريكي المتغطرس فبريطانيا لديها طموح سياسي تحققه من خلال تقديم الخدمات لأمريكا وتبرير أفعالها والسير فى ركابها وتقوم اليابان والصين بدور قارون المستفيد مادياً من هذا النظام العالمي الفاسد. أي أن أطراف الثالوث الاستبدادى (فرعون وهامان وقارون) التى ذكرناها آنفاً متحققة تماماً في النموذج الدولي. وهذه الأطراف الاستبدادية تتحكم فى مقدرات الضعفاء والمستضعفين والخاضعين والمستسلمين من شعوب العالم.

منظومة الاستبداد

وهى تتضمن صفات المستبد (بكسر الباء) والمستبد (بفتح الباء) بهم (المستعبدين)وطبيعة العلاقة بينهما, والبيئة التى يعيشون فيها. 1- التأله (العلو والكبر): يشعر المستبد بعلوه على من حوله من البشر وملكيته لهم, وبالتالي يطلب منهم الطاعة والانقياد, ولا يسمح لهم بمخالفته أو مناقشته, ويتقمص صفات القاهر الجبار. وهكذا شيئاً فشيئاً تتضخم ذاته خاصة مع خضوع من حوله, ويصل فى النهاية إلى الاعتقاد بألوهيته, وهذا هو نهاية متصل الاستبداد والذي وصل إليه فرعون حين قال: {أنا ربكم الأعلى} [النازعات:24], وقال:{ يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري} [القصص:38 ]. 2- الاستخفاف: وفى داخل نفس المستبد استخفاف واحتقار لمن يستبد بهم, ويزيد هذا الشعور بداخله كلما بالغوا هم فى طاعته ونفاقه والتزلف إليه لأنه يعلم بداخله كذبهم وخداعهم, ويعلم زيف مشاعرهم, ويشك في ولائهم وإخلاصهم, كما أنه من البداية يشك فى قدراتهم وملكاتهم وجدارتهم, وبالتالي يصل في النهاية إلى الشعور بالاستخفاف بهم. وكلمة الاستخفاف التى وردت فى القرآن الكريم{ فاستخف قومه فأطاعوه} [القصص4] تحمل في طياتها معاني الاحتقار والاستهزاء والإذلال والاستغلال. 3- الجبروت والعناد: فالمستبد جبار متجبر عنيد وهى صفات متصلة ببعضها لأن جذورها فى النفس واحدة, فالمعنى اللغوي للجبّار"هو الذي يقتل على الغضب" وتجبَّر الرجل بمعنى تكبر (مختار الصحاح لمحمد بن أبى بكر الرازي المتوفى سنة 666 هجرية –دار الجيل– بيروت– لبنان ص91,90 طبعة عام 1407هـ 1987م). فمنظومة الاستبداد تبدأ بالتكبر والاستعلاء الذى يصل إلى درجة التأله, ومن هنا كان بغض الله للمستبد وسخطه عليه لأنه ينازعه صفة الجبار وينازعه الألوهية بصفة عامة, وينازعه نفاذ الأمر الذى لا يبدل ولا يغيَّر, ولهذا توعده العذاب الشديد, فعن أبى موسى رضى الله عنه أن رسول الله صلي الله علية وسلم قال: «إن في جهنم وادياً, وفى الوادي بئر يقال له هبهب, حق على الله أن يسكنه كل جبار عنيد» ( راوه الطبرانى بإسناد حسن كما قال المنذرى فى الترغيب, والهيثمى في: المجمع 5/197 والحاكم وصححه ووافقه الذهبى 4/332 ). وعن معاوية رضي الله عنه أن النبى صلي الله علية وسلم قال: «ستكون أئمة من بعدى يقولون فلا يرد عليهم قولهم, يتفاحمون في النار كما تفاحم القردة» [رواه أبو يعلى والطبرانى, وذكره في صحيح الجامع الصغير برقم 3615 ]. وواضح من طريقة العذاب عظم الجرم الذى يقع فيه كل طاغية ومستبد ودكتاتور فى أى موقع وعلى أى مستوى. والمتكبر لا يحتمل اختلافاً فى الرأي, بل لا يسمح من البداية أن يكون هناك رأياً آخر يزاحمه لأن هذا الرأي الآخر يعتبر قدحاً في تألهه وجبروته فهو يفترض أنه على صواب دائماً وأن ما يراه هو الحق المطلق, وبالتالي فهو يعتبر أن صاحب الرأي الآخر سفيهاً أو مضللاً ومتعدياً على مقامه الأرفع ومن هنا يكون غضبه شديداً يصل إلى درجة قتل المخالف مروراً بتعنيفه أو سجنه أو تعذبيه أو نفيه. والمتكبر دائماً وأبداً عنيد لأنه يفترض أنه يمتلك الحقيقة المطلقة وبالتالي لا يقتنع برأي آخر ولا يريد أصلاً ولا يقبل أن يكون هناك رأى آخر. 4- الفسق : ومع استمرار السلوك الاستبدادي يتحول الناس (المستبد بهم) إلى كائنات مشوهه وذلك من كثرة الأقنعة التي يلبسونها لإرضاء المستبد فيتفشى فيهم النفاق والخداع والكذب والالتواء والخوف والجبن وتكون النهاية كائنات مشوهه خارجة عن الإطار السليم للإنسان الذي كرمه الله, والقرآن الكريم يصفهم بالفسق, والفسق هنا كلمة جامعة لكل المعاني السلبية التي يكتسبها الخاضعون للمستبد  فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين  [الزخرف 54]. 5- الفساد: وحين تجتمع الصفات السلبية للمستبد مع الصفات السليبة للمستبد بهم تكون النتيجة بيئة مليئة بالفساد "وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد" [الفجر10-12] فالفساد نتيجة طبيعية ومباشرة للاستبداد مهما كانت مبررات الاستبداد ومهما كانت اللافتات التي يتخفى وراءها لأن الاستبداد تشويه للتركيبة النفسية للمستبد وتشويه أيضاً للتركيبة النفسية للمستبد بهم وبالتالي يحدث تشويه للبيئة التي يعيشون فيها, وكأن الاستبداد أحد أهم عوامل التلوث الأخلاقي والبيئي في الحياة. 6- الضلال: ونظراً لمحدودية رؤية المستبد وتشوه تركيبته النفسية منذ البداية ثم زيادة هذا التشوه نتيجة تضخم ذاته بالمدح والثناء من المستعبدين (بفتح الباء), ورفضه للاسترشاد برؤى الآخرين, وإصراره العنيد على إنفاذ أمره وحده فإن النتيجة هى قرارات خاطئة فى كل المجالات «فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد». 7- الهلاك:- والنتيجة المنطقية لتشوه المستبد وتشوه المستبد بهم, وفساد البيئة التى يعيشون فيها معا هي الهلاك المحقق, فما من مستبد إلا ووصل بجماعته إلى الهاوية فضاع وضاعوا معه «فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعو ن برشيد0 يقدم قومه يوم القيامة فأوردوهم النار وبئس الورد المورود» (هود 97/98).« فأخذناه وجنوده فنبذناهم فى اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين» (القصص 40). والهلاك ليس فقط فى الآخرة وإنما يسبقه هلاك فى الدنيا, وهلاك منظومة الاستبداد ليس قائماً فقط على اعتبارات أخلاقية أو دينية وإنما هو سنة كونية وقانون حياتي لأن الاستبداد يسير ضد تيار الحياة الإنسانية وهو تشويه للفطرة (للمستبد والمستبد بهم) ولذلك فلا يمكن أن يستمر طالما قُدِّر للحياة أن تستمر وتنمو وتتطور, فالمستبد مثل أى ميكروب أو فيروس يدخل الخلية ويوجه نشاطاتها لخدمته وفى حالة عجز الخلية عن اكتشافه ومقاومته بجهاز المناعة لديها فإن المآل الحتمي هو ضد قانون تطور الحياة ونموها. والأمثلة التاريخية لهلاك منظومات الاستبداد ليس لها حصر, ففرعون قد هلك غرقاً هو وجنوده, ونيرون أحرق كل شيء وأحترق معه, وشاه إيران ضاع وضاع ملكه ولم يجد فى نهاية حياته مأوى يؤيه وظل حائراً بطائرته في الجو وقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت, وشاوشيسكو انقض عليه شعبه سخطاً وغضباً وألقاه فى مزبلة التاريخ, وقبلهم هتلر تسبب فى قتل 45 مليوناً من البشر ثم مات منتحراً أو مقتولاً تلاحقه اللعنات فى كل مكان, وصدام حسين أضاع ثروات العراق وأسلمها لاحتلال أمريكي بغيض لا يعرف أحد متى يرحل.

القران يقول - مرسي فرعون . الاسلاميين لا يعرفون الدين لم يكن لديهم الاسلام هو الحل

وقد كانت لهذه الفرعونية في مناهضة الفكر صفات مشتركة بين فرعون موسى وبين من لف لفه وسار في دربه سواء كان من الساسة أو من الإسلاميين تعالوا بنا لنستجلي بعضا من تلكم الصفات:
1- (ما أريكم الا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) فهو يمارس سلطوية على الافكار محاولا جبرها لتمجد فكره وتقتنع به ولا يكتفي بذلك بل يموه على الأتباع بان هذا هو سبيل الرشاد وطريق الخير ودرب السلامة وان كان هو الموت الزؤام والداء الدوي والفكر العيي.
2- (إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد) 
وهو في المقابل يناهض الفكر المخالف بوصفه وصفا يهز العامة ويرهبها من الجديد باعتباره فكرا يؤدي لزعزعة معتقداتها وتبديل قناعاتها التي نمت وربت في ظلها بل هذا الفكر قد يؤدي الى فساد عريض ووبال على المجتمع بما يحمله من تمييع يسمى حرية وتغريب يسمى لبيرالية وفوضى تسمى ديمقراطية.
3- (إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائضون)
تحقير للفكر الجديد وحملته فهم لا يعدون أن يكونوا قلة حقيرة مستضعفة جاهلة ليست عالمة بالشريعة ولا عارفة للأصول ولا ذات فكر صحيح ورأي نجيح إنما هم يريدون أن يخالفوا ليعرفوا فهم نكرة من النكرات ولا يجدون سبيلا للظهور الا بترديد اقوال شاذة وعبارات محورة محاولين التسلق على ظهور السلف مبتغين بذلك إغاضتنا وتبكيتنا وتوجيه آراء العامة إليهم .
4- (آمنتم له قبل أن آذن لكم)
فاذا اقتنع اتباعه او بعضهم بهذا الفكر الجديد قبل أن يأذن هو بهذا الاقناع وقبل أن يأذن لهذا البرهان أن يتغلغل في حناياهم ويمتاح الى صدورهم ثار عليهم ثورته واصفا إياهم بأقذع الصفات وأحط العبارات فهم منافقون خنازير في مسك ظباء وهم في البراءة وهم حطب النار(إني لأظنك يا موسى مسحورا) (وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين) بل يتعدى الأمر إلى ارهاب من نوع آخر فهو يرزأهم في مالهم ويحط من شأنهم ويضايقهم في معيشتهم فيشرد بعضهم في البلاد وينزل بعضهم من مناصب كانوا يتسنمونها بل يحاول أن يضيق عليهم خارج سلطانه حتى تلفظهم الأرض وتضيق عليهم الدهناء بما وسعت.